الخميس، 24 يوليو 2025

في حضرة "البرغوث": ليونيل ميسي.. الظاهرة التي أعادت كتابة أبجديات الكرة

 

في مسرح كرة القدم العالمي، حيث تتوالى الفصول وتتغير الأسماء، يظل هناك لاعبون قلة يفرضون أنفسهم كعنوان لحقبة بأكملها، بل كنقطة تحول في مسار اللعبة وتاريخها. ومن بين هؤلاء، يبرز اسم ليونيل أندريس ميسي، أو كما يحلو للكثيرين تسميته "البرغوث"، ذاك الأرجنتيني الذي أتى من روزاريو ليحط رحاله في برشلونة، لا كلاعب كرة قدم فحسب، بل كظاهرة فريدة أعادت تعريف مفهوم الموهبة والإبداع في المستطيل الأخضر.

عندما نتحدث عن ميسي، فإننا لا نتحدث عن مجرد أرقام قياسية أو ألقاب فردية وجماعية، على الرغم من أنها تسرد جزءاً كبيراً من الحكاية. الحديث عن ميسي هو حديث عن لغة كروية خاصة، أبجديتها المراوغة، وقواعدها التمريرة القاتلة، وبلاغتها الهدف الذي يأتي من حيث لا يتوقع أحد. هو اللاعب الذي جعل من الاستثناء قاعدة، ومن اللحظة الفردية حلاً لمأزق جماعي.

لقد تابعنا مسيرته منذ أن كان شاباً يافعاً في أكاديمية "لا ماسيا"، ذلك المصنع الذي طالما أمدّ النادي الكتالوني بالدرر. منذ ظهوره الأول، كان واضحاً أننا أمام موهبة غير عادية. لكن ما لم يكن في الحسبان هو هذا الثبات المذهل على القمة لأكثر من عقد ونصف من الزمان، في منافسة شرسة مع عملاق آخر هو كريستيانو رونالدو، في ثنائية ربما لن تتكرر في تاريخ اللعبة، وقد أثرت، بلا شك، المشهد الكروي العالمي.

إن ميسي، في جوهره، يمثل انتصاراً لمفهوم "الفريق" حتى في أوج فردانيته. في برشلونة، كان هو حجر الزاوية في منظومة "التيكي تاكا" التي أبهرت العالم، لكنه في الوقت ذاته كان القادر على حمل الفريق على كتفيه حين تغيب الحلول. كان المنظومة والحل في آن واحد. رأيناه في دور الجناح الأيمن، والمهاجم الوهمي، وصانع اللعب المتأخر. تعددت الأدوار، وظل الثابت الوحيد هو عبقرية ميسي وقدرته على التأقلم والتألق.

وإذا كانت مسيرته مع الأندية قد وصلت إلى ذرى المجد، فإن قصته مع المنتخب الأرجنتيني كانت ملحمة من نوع آخر. قصة مليئة بالفصول الدرامية، من خيبات الأمل المتتالية في كوبا أمريكا ونهائي كأس العالم 2014، إلى تلك اللحظة التي حبس فيها العالم أنفاسه في ليلة لوسيل بقطر عام 2022. في تلك البطولة، لم نر ميسي اللاعب الفنان فحسب، بل رأينا القائد الذي أدرك أن هذه هي فرصته الأخيرة لملء الفراغ الوحيد في خزانة ألقابه، ولإسكات كل الأصوات التي شككت في قدرته على قيادة بلاده إلى المجد الأسمى.

لقد كان تتويجاً منطقياً لمسيرة استثنائية، ووضعاً للنقطة الأخيرة في كتاب أسطورته. فميسي لم يفز بكأس العالم فقط، بل فعل ذلك وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، مقدماً أداءً قيادياً وفنياً سيبقى خالداً في الذاكرة، ليؤكد أن الذهب لا يصدأ.

اليوم، وهو يخطو فصوله الأخيرة في الملاعب الأمريكية، لا يزال "البرغوث" يمارس سحره، ويذكرنا في كل لمسة بأن كرة القدم يمكن أن تكون فناً رفيعاً، وأن الموهبة الخارقة، حين تقترن بالالتزام والعقلية الفذة، قادرة على تجاوز حدود الزمان والمكان.

سيظل الجدل قائماً حول من هو اللاعب الأفضل في التاريخ، وهو جدل مشروع في عالم كرة القدم. لكن ما لا جدال فيه هو أن ليونيل ميسي قد حفر اسمه بأحرف من ذهب، ليس فقط كأحد أعظم من لمسوا الكرة، بل كظاهرة كروية متكاملة، وفنان رسم بعبقريته أجمل اللوحات في تاريخ اللعبة الأكثر شعبية في العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق