الخميس، 24 يوليو 2025

هالك هوجان: عندما تحوّل المصارع إلى أسطورة خالدة في ذاكرة الجماهير

 

في سجلات التاريخ الرياضي، هناك أسماءٌ تُكتب بأحرف من ذهب، ليس فقط لإنجازاتها وألقابها، بل لأنها تجاوزت حدود الحلبة أو الملعب لتصبح جزءاً لا يتجزأ من ثقافة جيل بأكمله. أسماءٌ كانت هي الخبر وهي الحدث، استطاعت أن تأسر القلوب وتخطف الأبصار وتجعلنا ننتظر إطلالتها بشغفٍ منقطع النظير. واليوم، نقف عند اسمٍ فعل كل ذلك وأكثر في عالم المصارعة الحرة... نقف عند ظاهرة "الهالكامانيا"، نقف عند تيري بوليا، أو كما يعرفه العالم بأسره: هالك هوجان.

من منا لا يذكر تلك القبضة القوية، وذلك الشارب الأشقر الكث، وتلك العضلات المفتولة التي كانت تمزق القميص الأصفر الشهير قبل كل نزال؟ من منا ينسى تلك الصيحة التي كانت تدوي في الأرجاء: "Whatcha gonna do, when Hulkamania runs wild on you?" (ماذا ستفعل عندما تطلق الهالكامANIA العنان لوحشيتها عليك؟). كانت تلك اللحظات أكثر من مجرد عرض رياضي، كانت طقساً أسبوعياً ينتظره الملايين حول العالم، كان هوجان فيه هو البطل الخارق الذي لا يُقهر، والذي يدافع عن قيم الخير والشرف والصلابة الأمريكية.

دعونا نعود بالذاكرة إلى بدايات الثمانينيات. في ذلك الوقت، كانت المصارعة الحرة رياضة لها شعبيتها، لكنها كانت تحتاج إلى شرارة، إلى أيقونة تدفع بها إلى العالمية. وهنا ظهر هوجان، القادم من شواطئ فينيسيا بفلوريدا، بشعره الذهبي الطويل وجسده الضخم وكاريزما طاغية لم تشهدها الحلبات من قبل. استطاع فينس مكمان الأب، ومن بعده الابن، أن يرى في هوجان المشروع الذي سيغير وجه المصارعة إلى الأبد. وبالفعل، مع انتزاعه بطولة WWF من المصارع "الشيخ الحديدي" عام 1984، وُلدت "الهالكامانيا".

لم يكن هوجان مجرد مصارع قوي يفوز بالنزالات، بل كان راوياً للقصص داخل الحلبة. كان يمتص ضربات الخصم، يبدو على وشك الهزيمة، الدماء تسيل منه أحياناً، ثم فجأة، وبدعمٍ هادرٍ من الجماهير، تبدأ يده بالاهتزاز، يشير بإصبعه إلى خصمه، ويطلق العنان لقوة أسطورية تنهي النزال بحركتين يعرفهما الصغير قبل الكبير: الـ "Big Boot" الشهيرة، تليها ضربة الساق القاضية "Atomic Leg Drop". يا لها من سينفونية كانت تُعزف على أوتار حماسنا! 

لكن هل يمكن للأسطورة أن تظل على وتيرة واحدة؟ التاريخ علمنا أن التغيير سنة الحياة، وحتى الأبطال الخارقون يجب أن يتأقلموا. في منتصف التسعينيات، وبعد أن خفت وهج "الهالكامانيا" قليلاً، قام هوجان بما لم يتوقعه أحد. في خطوة وُصفت حينها بالصدمة الكبرى، انتقل إلى الاتحاد المنافس WCW، وخلع قميصه الأصفر والأحمر، ليرتدي الأسود والأبيض. تخلى عن دور البطل المحبوب ليصبح "هوليوود هوجان"، زعيم عصابة "nWo" (النظام العالمي الجديد) الشريرة. لقد كانت مخاطرة عبقرية، أعادت تعريف شخصيته وأطالت من عمر مسيرته وأشعلت "حروب ليلة الإثنين" الشهيرة التي تعد من أزهى عصور المصارعة التنافسية.

إن إرث هالك هوجان لا يُقاس فقط بعدد بطولاته العالمية الـ 12 (6 في WWE و6 في WCW)، بل بتأثيره الذي لا يُمحى. هو من وضع المصارعة على خريطة الترفيه العالمي، وفتح الباب لظهور نجوم مثل "ذا روك" و"ستون كولد ستيف أوستن". قد نتفق أو نختلف على بعض جوانب شخصيته خارج الحلبة، ولكن لا يمكن لأي منصفٍ أن ينكر أنه كان، وسيظل، أحد الأعمدة الرئيسية التي بُني عليها صرح المصارعة الحديثة.

يبقى هالك هوجان في ذاكرتنا ذلك البطل الذي علمنا أن نؤمن بأنفسنا، أن "نتناول فيتاميناتنا ونؤدي صلواتنا". سيبقى تلك الأيقونة التي تمثل حقبة زمنية كاملة، حقبة البراءة والشغف والدهشة. فكم من بطلٍ مرّ على الحلبات، ولكن كم منهم استطاع أن يصبح ظاهرة عالمية تتجاوز الزمان والمكان؟ قليلون جداً، وهالك هوجان بلا شك، يجلس على قمة هرم هؤلاء الخالدين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق