Thursday, February 13, 2025

ترامبونوميكس: الاقتصاد في ظل عدم اليقين السياسي والتجاري

 

ترامبونوميكس: الاقتصاد في ظل عدم اليقين السياسي والتجاري

في عالم المال والاستثمار، يعتبر التشكيك في التوقعات المتفائلة ضرورة، وليس رفاهية. فالأسواق، على الرغم من طبيعتها الديناميكية، لا تخلو من الأخطاء في التقدير، خاصة عندما تتداخل السياسة مع الاقتصاد. وفي هذا السياق، يطرح السؤال: إلى أي مدى تتماشى السياسات الاقتصادية لإدارة ترامب مع الواقع الاقتصادي العالمي، وما هي المخاطر الحقيقية التي يواجهها المستثمرون؟

أثر السياسات المالية والتجارية

أحد الجوانب الأكثر إثارة للجدل في "ترامبونوميكس" هو التقشف المالي الذي يُتوقع أن يكون أكثر صعوبة مما يتخيله البعض. فبينما تبدو بعض التخفيضات في الميزانية، مثل تلك التي تشمل المساعدات الخارجية، سهلة من الناحية السياسية، فإن التعامل مع ملفات أكثر تعقيدًا مثل الضمان الاجتماعي، الرعاية الصحية، والدفاع سيكون أصعب بكثير. هذه البرامج تمثل "الخط الأحمر" في السياسة الأمريكية، مما يجعل أي محاولة لتعديلها محفوفة بالمخاطر السياسية والشعبية.

أما على الصعيد التجاري، فإن فرض التعريفات الجمركية على الواردات، وخاصة من الصين، يُعتبر سلاحًا ذا حدين. فبينما يسعى ترامب إلى تقليل العجز التجاري وتعزيز الإنتاج المحلي، إلا أن الحقائق الاقتصادية تشير إلى أن إيرادات التعريفات لن تكون كافية لتعويض العوائد الضريبية الأخرى. حيث بلغت الإيرادات الجمركية حوالي 80 مليار دولار سنويًا، وهو رقم ضئيل مقارنة بإيرادات الضرائب الفيدرالية التي تتجاوز 4 تريليونات دولار.

لكن الأهم من ذلك هو السؤال: هل التعريفات أداة اقتصادية أم سياسية؟ فالرسائل الصادرة عن البيت الأبيض توحي بأن السياسات الجمركية لا تهدف فقط إلى تعديل الميزان التجاري، بل تُستخدم كأداة ضغط سياسي واستراتيجي ضد خصوم الولايات المتحدة مثل الصين والاتحاد الأوروبي.

التفاعل بين الأسواق والسياسات

من الناحية المالية، يُنظر إلى الأسواق الأمريكية على أنها قوية ومستقرة، لكن خلف هذا الاستقرار الظاهري توجد حالة من القلق المستتر. فعلى الرغم من الأداء الجيد لسوق الأسهم، إلا أن عدم اليقين بشأن مستقبل السياسات الاقتصادية يخلق نوعًا من الحذر بين المستثمرين.

أحد أكبر التحديات التي تواجه الأسواق حاليًا هو غياب شهية المستثمرين للاستثمار في الصناديق التي تعتمد على البيع على المكشوف (Short Selling)، حيث تراجعت هذه الاستثمارات بنسبة 70% منذ الأزمة المالية في 2008. ونتيجة لذلك، أصبح هناك افتقار للآليات التي تتيح كشف المشكلات المالية في الشركات، مما قد يؤدي إلى تضخم فقاعة اقتصادية غير مرئية حتى فوات الأوان.

من ناحية أخرى، يشير المحللون إلى أن الاستثمارات السلبية (Passive Investing) قد تُضعف دور السوق كآلية لتقييم الشركات بشكل موضوعي. فبدلًا من أن يتم تسعير الأسهم بناءً على أدائها الفعلي، أصبحت التدفقات المالية هي المحرك الأساسي للأسواق. وهذا يمكن أن يؤدي إلى صعود غير مبرر لأسهم بعض الشركات على حساب شركات أخرى أكثر كفاءة، مما يهدد الأسس الجوهرية للرأسمالية.

التحديات التكنولوجية والمخاطر المستقبلية

جانب آخر من حالة عدم اليقين يتمثل في تأثير التكنولوجيا والتطورات الجديدة على الاقتصاد. على سبيل المثال، يشير بعض المراقبين إلى أن التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والنماذج الحسابية المتقدمة قد تغير قواعد اللعبة في المستقبل القريب. وهذا يفتح الباب أمام مخاطر جديدة، مثل ظهور منافسين غير متوقعين في السوق، مما قد يؤدي إلى انهيارات سريعة للشركات التي لا تستطيع مواكبة التغيير.

مثال على ذلك هو شركة "Deep Seek"، التي قدمت نموذجًا أكثر كفاءة وأقل تكلفة للذكاء الاصطناعي، مما أثار مخاوف من أن التكنولوجيا نفسها قد تتعرض لاضطراب سريع. فكما شهدنا خلال فقاعة الإنترنت في أواخر التسعينيات، لم يكن الجميع قادرًا على البقاء، فبينما نجت شركات مثل أمازون، اختفت شركات مثل AOL وAsk Jeeves من المشهد.

ما الذي يحمله المستقبل؟

عند النظر إلى المستقبل القريب، تظل هناك العديد من التحديات، لكن ليس بالضرورة أن تكون الانتخابات الأمريكية المقبلة أحدها، نظرًا لأنها لا تزال بعيدة نسبيًا. ومع ذلك، لا يزال الاقتصاد العالمي يتحرك في مياه غير مستقرة، حيث يتشابك الاقتصاد والسياسة بشكل غير مسبوق. وما بين الضغوط السياسية، والحرب التجارية، والتغيرات التكنولوجية، تبقى مرونة الأسواق والمستثمرين العامل الحاسم في تحديد مستقبل الاقتصاد خلال السنوات القادمة.

No comments:

Post a Comment