Friday, May 12, 2017

أبو بكر الرازي : الطب الروحاني ، رسائل فلسفية ، في الاكتساب و الاقتناء و الانفاق


 جزء من مقالة لأبوبكر الرازي: 

إن العقل الذي خصصنا به و فضلنا على سائر الحيوان غير الناطق به أدى بنا إلى حسن المعاش و أن يرفق بعضنا ببعض، و لذلك فإننا نرى أكثر حسن عيشنا من التعاون ، فلولا ذلك لم يكن لنا فضل في حسن العيش على البهائم ، فإن الرجل الواحد منا طاعم كأس مستكن آمن ، و إنما يزاول من هذه الأمور واحد فقط لأنه إن كان حراثاً لم يمكنه أن يكون بناء ، و إن كان بناء لم يمكنه أن يكون حواكا، و إن كان حواكا لم يمكنه أن يكون محاربا. 

و بالجملة فإنك لو توهمت إنسانا واحدا مفرداً في فلاة لعلك لم تكن تتوهمه عائشاً ، لو توهمته عائشا لم تتكن تتوهم عيشه عيشا حسنا هنيئا كعيش من قد وفر عليه كل حوائجه و كفى ما يحتاج أن يسعى فيه ، بل عيشاً وحشياً بهيميا لما فقد من التعاون و التعاضد المؤدي إلى حسن العيش و طيبه و راحته. و ذلك أنه لما اجتمع ناس كثير متعاونون متعاضدون اقتسموا وجوه المساعي العائدة على جميعهم ، فسعى كل واحد منهم في واحد منها حتى حصلها و أكملها ، فصار لذلك كل واحد منهم خادما و مخدوما و ساعياً لغيره و مسعياً له، فطاب للكل بذلك المعيشة ، و تم على الكل بذلك النعمة ، و إن كان في ذلك بينهم بون بعيد و تفاضل كثير غير أنه ليس من أحد إلا مخدوم مسعي له مكفى كل حوائجه.

No comments:

Post a Comment