أرينا دا أمازونيا: تحفة معمارية في قلب الأمازون وإرث معقد لكأس العالم
يُعد ملعب "أرينا دا أمازونيا" (Arena da Amazônia) في مدينة ماناوس البرازيلية واحدًا من أكثر الملاعب إثارة للجدل التي تم بناؤها خصيصًا لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2014. بتصميمه المستوحى من غابات الأمازون المطيرة وموقعه الفريد، كان يهدف ليكون رمزًا للبرازيل الحديثة والتزامها بالاستدامة، لكنه واجه تحديات كبيرة تتعلق بتكلفته واستخدامه بعد البطولة، ليصبح مثالاً آخر على ما يُعرف بـ "الأفيال البيضاء" في عالم المنشآت الرياضية.
الهدف من الإنشاء: حلم المونديال في قلب الغابة
كان الدافع الرئيسي لبناء ملعب "أرينا دا أمازونيا" هو استضافة مباريات ضمن بطولة كأس العالم لكرة القدم 2014 التي أقيمت في البرازيل. تم اختيار ماناوس، عاصمة ولاية أمازوناس وأكبر مدن منطقة الأمازون، كإحدى المدن المستضيفة، وهو قرار أثار الكثير من النقاش نظرًا لبعدها عن المراكز الكروية الرئيسية في البلاد والتحديات اللوجستية والمناخية. كان الهدف إظهار تنوع البرازيل وقدرتها على تنظيم حدث عالمي حتى في أبعد وأكثر مناطقها حساسية بيئيًا.
تم بناء الملعب في موقع ملعب "فيفالداو" (Vivaldão) القديم الذي تم هدمه.
التصميم المعماري: سلة الأمازون الفولاذية
صمم الملعب شركة الهندسة المعمارية الألمانية "جي إم بي أركيتكتن" (gmp Architekten)، بالتعاون مع شركة "ستاديا" البرازيلية وشركة الهندسة الإنشائية "شلايش بيرغرمان وشركاه". استوحي التصميم الخارجي للملعب من سلال الفاكهة التقليدية المصنوعة من القش في منطقة الأمازون، ويتكون هيكله الخارجي من شبكة متشابكة من عوارض فولاذية مجوفة تلتف حول الملعب.
- السعة: يتسع الملعب لحوالي 39,118 إلى 44,400 متفرج (تختلف الأرقام قليلاً بين المصادر، مع سعة محدودة خلال كأس العالم بلغت حوالي 40,549 متفرجًا).
- الهيكل: يتكون الهيكل الداعم للسقف من عوارض فولاذية كابولية ذات تجويف، تعمل أيضًا كمزاريب ضخمة لتصريف كميات الأمطار الاستوائية الغزيرة.
- الواجهة والسقف: تم استخدام ألواح من الألياف الزجاجية الشفافة والمطلية بمادة عاكسة للحرارة في السقف والواجهة، مما يوفر الظل ويساعد على التهوية الطبيعية ويقلل من اكتساب الحرارة داخل الملعب، وهو أمر حيوي في مناخ ماناوس الحار والرطب.
تكلفة البناء: أرقام مثيرة للجدل
تُقدر تكلفة بناء الملعب بحوالي 270-300 مليون دولار أمريكي (حوالي 605-670 مليون ريال برازيلي في ذلك الوقت). أثارت التكلفة، مثل العديد من ملاعب كأس العالم الأخرى في البرازيل، جدلاً وانتقادات، خاصة بالنظر إلى الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى في المنطقة.
كأس العالم 2014: أربع مباريات في حرارة الأمازون
استضاف ملعب "أرينا دا أمازونيا" أربع مباريات خلال نهائيات كأس العالم 2014:
- إنجلترا ضد إيطاليا (1-2)
- الكاميرون ضد كرواتيا (0-4)
- الولايات المتحدة ضد البرتغال (2-2)
- هندوراس ضد سويسرا (0-3)
تميزت المباريات بالظروف المناخية الصعبة للاعبين بسبب الحرارة والرطوبة العالية، حتى أنه تم تطبيق "استراحة مياه" رسمية خلال مباراة الولايات المتحدة والبرتغال، وهو أمر نادر في تاريخ كأس العالم.
ما بعد كأس العالم: تحديات الاستخدام وصراع البقاء
بعد انتهاء البطولة، واجه "أرينا دا أمازونيا" التحدي الأكبر: إيجاد استخدام مستدام يبرر وجوده وتكاليف صيانته الباهظة.
- الاستخدام المحدود: تعاني مدينة ماناوس من غياب فرق كرة قدم قوية تلعب في الدوريات البرازيلية الكبرى، مما يعني أن مباريات كرة القدم المحلية تجذب أعدادًا قليلة جدًا من الجماهير لا تتناسب مع سعة الملعب الضخمة.
- تكاليف الصيانة: تتطلب المحافظة على ملعب بهذا الحجم، خاصة في مناخ استوائي قاسٍ، ميزانية كبيرة. الرطوبة العالية والحرارة تؤثران على الهيكل والمرافق بشكل مستمر.
- "الفيل الأبيض": سرعان ما وُصف الملعب بأنه "فيل أبيض" – مشروع مكلف ذو فائدة عملية قليلة بعد الحدث الرئيسي الذي بُني من أجله.
- محاولات تنويع الاستخدام: تم بذل جهود لاستخدام الملعب في فعاليات أخرى غير كرة القدم، مثل الحفلات الموسيقية (استضاف حفل فرقة Guns N' Roses)، والمؤتمرات، والفعاليات الدينية المسيحية الإنجيلية، والمهرجانات الثقافية. ورغم أن هذه الاستخدامات ساعدت في الحفاظ على بعض النشاط، إلا أنها لم تكن كافية لتغطية تكاليف التشغيل أو تحقيق الاستدامة المالية.
- العرض للبيع: في مرحلة ما بعد كأس العالم (حوالي عام 2015)، وردت تقارير تفيد بأن حكومة ولاية أمازوناس، المالكة للملعب، عرضته للبيع أو الإدارة من قبل القطاع الخاص بسبب صعوبات مالية في تغطية تكاليف تشغيله.
ميزات الاستدامة: تصميم صديق للبيئة؟
تم الترويج لملعب "أرينا دا أمازونيا" كأحد أكثر ملاعب كأس العالم استدامة، وحصل على شهادة LEED (الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة) من المجلس الأمريكي للمباني الخضراء. تضمنت ميزات الاستدامة المزعومة:
- إعادة استخدام المواد: استخدام أكثر من 95% من المواد الناتجة عن هدم الملعب القديم في بناء الملعب الجديد.
- تجميع مياه الأمطار: تصميم السقف لجمع مياه الأمطار الغزيرة لاستخدامها في المراحيض وري أرضية الملعب.
- التهوية الطبيعية والتظليل: تصميم الواجهة والسقف لتوفير الظل وتقليل الاعتماد على تكييف الهواء.
- الطاقة الشمسية: كانت هناك خطط أولية لتزويد الملعب بالطاقة الشمسية بشكل كامل، لكن يبدو أن هذه الخطط تم تقليصها أو التخلي عنها بسبب التأخير في البناء وارتفاع التكاليف.
- "الجدران النباتية": استخدام شاشات نباتية حول الملعب للمساعدة في العزل وخفض تكاليف الطاقة.
الخلافات والانتقادات:
لم يسلم المشروع من الانتقادات والخلافات:
- التكلفة مقابل الفائدة: شكك الكثيرون في جدوى إنفاق مئات الملايين من الدولارات على ملعب في مدينة لا تمتلك فريق كرة قدم كبير، بينما تعاني المنطقة من احتياجات أساسية في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية.
- تأخيرات البناء: واجه بناء الملعب تأخيرات، مما أثار شكوكًا حول جاهزيته لاستضافة مباريات كأس العالم.
- ظروف العمال: وردت تقارير عن حوادث عمل ووفيات بين العمال خلال فترة البناء.
- التأثير البيئي: على الرغم من الحديث عن الاستدامة، أثيرت تساؤلات حول التأثير البيئي الفعلي لبناء مشروع بهذا الحجم في منطقة حساسة بيئيًا مثل الأمازون.
الوضع الحالي والإرث (مايو 2025):
حتى أوائل عام 2025، يظل ملعب "أرينا دا أمازونيا" رمزًا للإمكانيات الهندسية والتصميم المبتكر، ولكنه في الوقت نفسه يمثل تحديًا مستمرًا للسلطات المحلية في ماناوس. يستمر استخدامه بشكل متقطع للمباريات المحلية وبعض الفعاليات الأخرى، لكنه يكافح لتحقيق الاستدامة المالية والتكامل الكامل مع النسيج الحضري والاقتصادي للمدينة.
إرث "أرينا دا أمازونيا" معقد. فمن ناحية، جلب الملعب اهتمامًا عالميًا لماناوس خلال كأس العالم وكان مصدر فخر مؤقت للمدينة. ومن ناحية أخرى، يُنظر إليه على نطاق واسع كمثال على سوء تخصيص الأموال العامة وعدم التخطيط الكافي لمرحلة ما بعد الحدث، وهي مشكلة شائعة في العديد من مشاريع البنية التحتية الرياضية الكبرى حول العالم. يبقى السؤال حول ما إذا كان يمكن للملعب أن يجد دورًا أكثر حيوية ومستدامًا في مستقبل ماناوس.
خاتمة:
يقف "أرينا دا أمازونيا" كتحفة معمارية مستوحاة من بيئتها الفريدة، لكنه يطرح أسئلة مهمة حول أولويات الاستثمار، والتخطيط طويل الأجل للمنشآت الرياضية، والتوازن بين الطموحات الوطنية والتنمية المحلية المستدامة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق