الخميس، 8 مايو 2025

الطريق السريع H-3 في هاواي: تحفة هندسية محفوفة بالجدل وجمال الطبيعة

 


الطريق السريع H-3 في هاواي: تحفة هندسية محفوفة بالجدل وجمال الطبيعة

يُعد الطريق السريع Interstate H-3، المعروف أيضًا باسم "طريق جون أ. بيرنز السريع" (John A. Burns Freeway)، في جزيرة أواهو بهاواي، واحدًا من أكثر الطرق إثارة للإعجاب والجدل في الولايات المتحدة. يشتهر هذا الطريق بمناظره الطبيعية الخلابة التي تخترق الجبال والوديان، وبتصميمه الهندسي المذهل، ولكنه يحمل أيضًا تاريخًا طويلًا من الخلافات البيئية والثقافية التي رافقت عملية بنائه لعقود.

الغرض والمسار: ربط استراتيجي عبر تضاريس صعبة

كان الهدف الأساسي من إنشاء الطريق السريع H-3 هو توفير رابط حيوي وسريع بين القواعد العسكرية الرئيسية في جزيرة أواهو، وتحديدًا ميناء بيرل هاربر (Pearl Harbor) التابع للبحرية الأمريكية وقاعدة مشاة البحرية في خليج كانيوهي (Kāneʻohe Marine Corps Base). يمتد الطريق لمسافة تقارب 15.32 ميلًا (حوالي 24.66 كيلومترًا)، عابرًا سلسلة جبال كولاو (Koʻolau Range) الوعرة من خلال أنفاق وجسور معلقة شاهقة.

يبدأ مسار الطريق من تقاطع هالاو (Halawa Interchange) مع طريقي H-1 و H-201، ثم يرتفع عبر جسور ضخمة تمر فوق وادي هالاو (Halawa Valley) لمسافة تمتد لحوالي ستة أميال. بعد ذلك، يخترق الطريق جبال كولاو عبر أنفاق تيتسو هارانو (Tetsuo Harano Tunnels) الشهيرة. وعند خروجه من الأنفاق على الجانب الشرقي (الجانب المواجه للريح)، يستمر الطريق عبر جسور أخرى مبنية على طول جانب وادي هايكو (Haiku Valley) حتى يصل إلى تقاطع كانيوهي مع طريق الولاية رقم 63 (Likelike Highway)، ثم يواصل مساره حتى البوابة الرئيسية لقاعدة مشاة البحرية.

تحفة هندسية في قلب الطبيعة

يُعتبر H-3 إنجازًا هندسيًا باهرًا، خاصة بالنظر إلى التحديات الطبوغرافية والجيولوجية التي واجهت بناءه. من أبرز معالمه الهندسية:

  • أنفاق تيتسو هارانو (Tetsuo Harano Tunnels): يبلغ طول هذه الأنفاق المزدوجة حوالي 5,165 قدمًا (ما يقرب من ميل واحد أو 1.57 كيلومترًا). وقد تطلب حفرها عبر قلب جبال كولاو تقنيات متقدمة وتدابير أمان صارمة.
  • الجسور المعلقة (Viaducts): يضم الطريق سلسلة من الجسور الخرسانية المرتفعة (الفايادوكت) التي تحمل المسارات فوق الوديان العميقة والتضاريس غير المستوية، مثل جسر وادي هالاو الشمالي الذي يمتد لأكثر من ميل. هذه الجسور لم توفر فقط حلاً لعبور التضاريس الصعبة، بل أضافت أيضًا إلى جمالية الطريق، حيث يشعر السائق وكأنه يحلق فوق الوديان الخضراء.
  • التصميم البيئي (المثير للجدل): تم بذل جهود لجعل تصميم الطريق يندمج بصريًا مع البيئة المحيطة، مثل استخدام خرسانة ملونة لتتناسب مع لون الصخور، ولكن هذا لم يكن كافيًا لتهدئة المخاوف البيئية العميقة.

كلفة باهظة وتاريخ طويل من الخلافات

يحمل طريق H-3 لقب أحد أغلى الطرق السريعة بين الولايات تكلفةً لكل ميل في تاريخ الولايات المتحدة. بلغت تكلفة إنشائه النهائية حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل أكثر من 80 مليون دولار لكل ميل. هذا الرقم الضخم نتج عن التأخيرات المتكررة، والتحديات القانونية، والتعديلات التصميمية التي فرضتها المخاوف البيئية والثقافية، بالإضافة إلى الصعوبات الهندسية الكبيرة.

منذ اقتراحه لأول مرة في الستينيات، واجه مشروع H-3 معارضة شرسة استمرت لعقود:

  • المخاوف البيئية: أثار مسار الطريق المقترح مخاوف جدية بشأن تأثيره المدمر على الوديان البكر مثل وادي موانالوا (Moanalua Valley) ووادي هالاو (Hālawa Valley) ووادي هايكو (Haʻikū Valley). حذر دعاة حماية البيئة من تدمير الموائل الطبيعية للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية المستوطنة، بما في ذلك طائر أواهو آلاواهيو (Oʻahu ʻalauahio) الذي يُخشى انقراضه بعد اكتمال الطريق.
  • الأهمية الثقافية والتاريخية: اعتبر سكان هاواي الأصليون (Kānaka Maoli) العديد من المواقع على طول مسار الطريق مقدسة وذات أهمية ثقافية وتاريخية عميقة، بما في ذلك مواقع دفن قديمة (iwi)، ومعابد (heiau)، ونقوش صخرية (petroglyphs) مثل صخرة "بوهاكو كا لواهيني" (Pohaku ka Luahine). أدى تدمير أو إزعاج هذه المواقع إلى غضب واسع النطاق وشعور بالتدنيس.
  • معارضة المجتمع المحلي: تشكلت تحالفات قوية من السكان المحليين، ونشطاء البيئة، والممارسين الثقافيين من سكان هاواي الأصليين لمعارضة المشروع. تأسست منظمات مثل "جمعية أوقفوا H-3" (Stop H-3 Association) ومؤسسة حدائق موانالوا (Moanalua Gardens Foundation) التي قادت المعارك القانونية والمجتمعية. كان هناك أيضًا خوف من أن يؤدي الطريق إلى تسارع التوسع الحضري في الجانب المواجه للريح من الجزيرة، والذي كان يتميز بطابعه الريفي الهادئ.
  • المعارك القانونية والتأخيرات: أدت الدعاوى القضائية العديدة التي رفعتها جماعات المعارضة إلى توقف أعمال البناء مرارًا وتكرارًا. استندت هذه الدعاوى إلى انتهاكات مزعومة للقوانين البيئية وقوانين حماية المواقع التاريخية. في مرحلة ما، تدخل السيناتور الأمريكي عن ولاية هاواي، دانييل إينوي، لتمرير تشريع يعفي المشروع من بعض المتطلبات البيئية الفيدرالية للسماح باستئناف العمل.

البناء والإنجاز المتأخر

بدأت أعمال الإنشاء بشكل متقطع في أواخر الثمانينيات، بعد سنوات من التخطيط والدراسات والمعارك القانونية. تم بناء الطريق على مراحل، ولم يُفتتح رسميًا بالكامل أمام حركة المرور حتى 12 ديسمبر 1997، أي بعد ما يقرب من أربعة عقود من اقتراحه الأولي.

إرث مزدوج ونظرة معاصرة

يحمل طريق H-3 السريع إرثًا معقدًا. فمن ناحية، يُنظر إليه كأعجوبة هندسية توفر طريقًا خلابًا وفعالًا عبر تضاريس كانت تعتبر في السابق صعبة العبور، ويخدم الغرض العسكري الذي أُنشئ من أجله. ومن ناحية أخرى، يظل رمزًا مؤلمًا للصراع بين التنمية والمحافظة على البيئة والتراث الثقافي.

بالنسبة للكثيرين من سكان هاواي الأصليين، يعتبر الطريق "ملعونًا" بسبب الدمار الذي ألحقه بالمواقع المقدسة. وحتى اليوم، تستمر النقاشات حول تأثيره طويل الأمد على البيئة والثقافة المحلية. وعلى الرغم من جماله الذي لا يمكن إنكاره، والذي جعله وجهة مفضلة للسائقين الباحثين عن المناظر الطبيعية، فإن قصة بنائه تظل تذكيرًا حيًا بأهمية احترام القيم البيئية والثقافية في مشاريع البنية التحتية الكبرى.

خاتمة

يُمثل الطريق السريع H-3 في هاواي أكثر من مجرد طريق؛ إنه قصة عن الطموح الهندسي، والجمال الطبيعي الأخاذ، والصراع العميق حول هوية الأرض ومعنى التقدم. إنه يدعو السائقين ليس فقط للاستمتاع بالرحلة المذهلة عبر جبال كولاو، ولكن أيضًا للتفكير في الثمن الذي قد يُدفع أحيانًا في سبيل التنمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق