الجمعة، 24 أكتوبر 2025

آيسلندا: الأرض التي تُولد أمام عينيك

 هل تساءلت يومًا كيف يبدو كوكبنا وهو في طور التكوين؟ لا تحتاج إلى آلة زمن، بل تذكرة إلى آيسلندا. هذه ليست مجرد جزيرة، إنها "مختبر جيولوجي" حي، حيث يمكنك رؤية القوى التي شكلت الأرض وهي تعمل أمامك مباشرة. إنها أرض النار والجليد، المكان الذي لا يزال يُكتب فيه الفصل الأول من قصة الخلق.

الأرض المُنقسمة على نفسها آيسلندا هي واحدة من الأماكن القليلة جدًا على وجه الأرض حيث يمكنك رؤية صدع "وسط المحيط الأطلسي" فوق سطح البحر. حرفيًا، الجزيرة تتمزق إلى نصفين. فالنصف الغربي يجلس على صفيحة أمريكا الشمالية، والنصف الشرقي على الصفيحة الأوراسية. وهما تتباعدان عن بعضهما بضعة سنتيمترات كل عام. في حديقة "ثينغفيلير" الوطنية، يمكنك الغوص أو السير بين قارتين في صدع "سيلفرا"، في مياه صافية لدرجة أن الرؤية تمتد لمئة متر.

عندما يغلي الجليد أكثر ما يميز آيسلندا هو هذا الصراع الأزلي بين النار والجليد. أكثر من 10% من مساحتها مغطى بأنهار جليدية عملاقة، وتحت هذا الغطاء الأبيض، ترقد بعض أنشط البراكين في العالم. عندما يثور بركان تحت نهر جليدي، فإنه لا يطلق الحمم فقط، بل يذيب مليارات الأطنان من الجليد، مسببًا فيضانات كارثية تُعرف باسم "Jökulhlaup" (يوكولوب) تجرف كل شيء في طريقها. هذه القوة الجوفية هي أيضًا ما يمنح آيسلندا "الينابيع الساخنة" والـ "جيزر" (النوافير الحارة) الشهيرة، حيث يعيش السكان على طاقة الأرض النظيفة.

شعب يتنفس البخار لقد حوّل الآيسلنديون هذا التهديد الجيولوجي إلى نعمة. فهم يعيشون حرفيًا على الطاقة الحرارية الجوفية. 90% من المنازل تُدفأ بمياه ساخنة تُضخ مباشرة من تحت الأرض. حتى شوارع العاصمة "ريكيافيك" مُدفأة في الشتاء لمنع تراكم الثلوج. لقد تكيفوا للعيش على أرض نشطة، مستغلين قوتها بدلاً من الخوف منها.

آيسلندا ليست مجرد وجهة سياحية، بل هي تذكير دائم بأن كوكبنا حي، يتنفس، ولا يزال يتشكل.

أستراليا: القارة التي تتحدى الخيال

 

بحيرة هيلير (البحيرة الوردية)

هناك أرضٌ في أقصى جنوب الكوكب ترفض أن تكون مجرد "دولة" أو "جزيرة". إنها قارة كاملة، عالم من التناقضات العجيبة، لوحة طبيعية رُسمت بألوان تتحدى المنطق وتتحرك أسرع من نمو أظافرك. هذه هي أستراليا، القارة التي لا تكف عن مفاجأتنا.

عملاقٌ أعرض من القمر

أول ما يصدمك في أستراليا هو حجمها الفلكي. تخيل أنك تقف على حافتها الشرقية وتنظر غربًا؛ المسافة التي تفصلك عن الحافة الغربية (حوالي 4,000 كم) هي في الواقع أعرض من قطر القمر بأكمله! هذا الاتساع الهائل ليس مجرد مساحة فارغة، بل هو مسرح لأعظم العجائب.

في هذا المسرح، تمتد "صحراء فيكتوريا الكبرى"، وهي ليست مجرد رمال، بل وحش هائل من القحط يبتلع دولة بحجم المملكة المتحدة بأكملها. وحتى معالمها الشهيرة لها أسرار. فبينما يتجه العالم لرؤية صخرة "أولورو" الشهيرة، يختبئ العملاق الحقيقي "جبل أوغسطس" في هدوء، وهو "صخرة" (مونوليث) أكبر من أولورو بمرتين، نائمٌ تحت غطاء من النباتات الصحراوية.

سحر الماء: من الساحل إلى المحيط الخفي

الأستراليون، بشكل غريب، يتجنبون هذا العمق الشاسع. إنها "أمة ساحلية" بامتياز، حيث يتكدس قرابة 90% من سكانها في شريط ضيق لا يبتعد عن البحر أكثر من 50 كم. هذا العناق الأبدي مع المحيط خلق ثقافة فريدة، ووضعهم في مواجهة مباشرة مع أعظم كنوز الماء.

هناك، تحت الأمواج الفيروزية، يمتد "الحاجز المرجاني العظيم"، وهو ليس مجرد شعب مرجانية، بل هو أضخم كائن حي على وجه الأرض، مدينة حية متكاملة يمكن رؤيتها بوضوح من الفضاء.

لكن الماء في أستراليا لا يتبع القواعد. في "خليج تالبوت"، تندفع أمواج المد والجزر بقوة هائلة عبر مضيقين ضيقين، خالقةً "الشلالات الأفقية"، وهي ظاهرة مدهشة حيث تتدفق المياه بالعرض بدلاً من السقوط للأسفل. وعلى بعد آلاف الكيلومترات، تستقر "بحيرة هيلير" بلونها "الوردي" الزاهي كلون غزل البنات، وهو لون حقيقي وثابت بفضل كائنات دقيقة تعشق الملوحة.

وربما يكون أعظم أسرار الماء الأسترالي مخبأً تحت أقدامنا. فأسفل الصحاري الجافة، يكمن "الحوض الارتوازي العظيم"، وهو محيط جوفي هائل يحمل مياهًا عذبة تكفي لملء ميناء سيدني 130,000 مرة، مانحًا الحياة للبرية القاحلة.

القارة المستعجلة التي ترسم خطوطها بنفسها

ربما تكون الحقيقة الأكثر جنونًا هي أن هذه القارة بأكملها في عجلة من أمرها. أستراليا هي أسرع قارة متحركة على الأرض، تنجرف 7 سنتيمترات نحو الشمال الشرقي كل عام. هذا يعني أن خرائط الـ GPS تحتاج إلى تعديل مستمر لمواكبة "رحلة" القارة نحو آسيا.

وفي مواجهة هذه الطبيعة الجامحة، حاول الإنسان رسم خطوطه الخاصة. فبنى "سياج الدنغو"، أطول حاجز في العالم يمتد لأكثر من 5,600 كم، ليقسم النظام البيئي فعليًا إلى نصفين. كما شقوا "طريق إير السريع" الذي يضم أطول جزء مستقيم من طريق مُعبد في العالم (146.6 كم)، و"سكة حديد" تعبر القارة بخط مستقيم تمامًا لمسافة 478 كم، كأنها رُسمت بمسطرة.

من جزيرة "كغاري" (أكبر جزيرة رملية في العالم) التي تنمو عليها غابات مطيرة، إلى هواء "كيب جريم" في تسمانيا (الذي يُصنف كأنقى هواء على الكوكب)، تظل أستراليا لغزًا جغرافيًا مدهشًا. إنها ليست مجرد مكان على الخريطة، بل هي فصل كامل من كتاب عجائب كوكبنا.

قارة بِقناع دولة: اكتشف أسرار كندا الجغرافية المذهلة!

 عندما نذكر كلمة "كندا"، تقفز إلى أذهاننا صور الثلوج الشاسعة، أوراق القيقب الحمراء، والهدوء الساحر. لكن خلف هذه الصورة النمطية، تختبئ حقيقة أضخم بكثير: كندا ليست مجرد دولة، إنها أقرب إلى "قارة" مليئة بالتناقضات والعجائب الجغرافية التي تتحدى المنطق.

دعنا نغوص في رحلة عبر هذا العملاق الهادئ، لنكتشف كيف أن جغرافيته هي بطل القصة الحقيقي.

مملكة الماء التي لا تُقهر

لا يمكن الحديث عن كندا دون الحديث عن الماء. أولاً، تخيل أنك قررت السير على طول سواحلها؛ ستحتاج إلى أكثر من حياة كاملة لتنهي المهمة! تمتلك كندا أطول خط ساحلي في العالم بامتياز (أكثر من 202,000 كم)، يلامس ثلاثة محيطات.

السر في هذا الرقم الفلكي؟ ترسانة الجزر التي تمتلكها. كندا هي الدولة رقم واحد عالميًا في عدد الجزر (أكثر من 52,000 جزيرة!).

والماء ليس على الأطراف فقط، بل في قلب اليابسة. كندا هي كوكب البحيرات؛ فهي تحتضن من البحيرات (أكثر من مليونين!) ما يفوق كل دول العالم مجتمعة، وتحتوي بحيراتها العظمى وحدها على خُمس المياه العذبة في الكوكب. ولعل أعجوبتها المائية الأغرب هي جزيرة "مانيتولين"، أكبر جزيرة وسط مياه عذبة، والتي بدورها تحتوي على بحيرات، وبعض هذه البحيرات تحتوي على جزر صغيرة خاصة بها!

أرض العمالقة: من جذور الأرض إلى قمة السماء

حجم كندا بحد ذاته مذهل. إنها ثاني أكبر دولة على الكوكب، يمكنك أن تضع الاتحاد الأوروبي بأكمله داخلها ويبقى لديك متسع كبير. لكن هذه المساحة الشاسعة ليست مجرد فراغ.

إنها موطن "الرئة الخضراء" للشمال، الغابة الشمالية (البوريال)، وهي واحدة من أكبر الغابات المتصلة البكر في العالم، تغطي أكثر من ثلث مساحة البلاد.

تحت هذه الغابات، ترقد "ذاكرة الكوكب". "الدرع الكندي" هو موطن لبعض أقدم الصخور على وجه الأرض، حيث يبلغ عمر بعضها أكثر من 4 مليارات سنة.

وعلى السطح، تقف الجبال شامخة. جبل لوغان ليس فقط الأعلى في كندا، بل هو عملاق "حي" لا يزال ينمو بضعة ملليمترات كل عام، متحديًا الزمن.

المفارقة البشرية: أرض شاسعة وشعب حميم

هنا يكمن التناقض الأكبر. مع كل هذه المساحة، أين يعيش الكنديون؟ الإجابة: بالقرب من بعضهم البعض! 75% من السكان يتجمعون في شريط ضيق لا يتجاوز 160 كم عرضًا بمحاذاة الحدود الأمريكية. يبدو أن الدفء والمناخ المعتدل والتجارة هي المغناطيس الأقوى.

وكلما اتجهت شمالاً، اختفى البشر تقريبًا. انظر إلى إقليم "نونافوت"؛ مساحته تضاهي المكسيك، لكن عدد سكانه يماثل سكان حي صغير في مدينة عربية! هذا الاتساع الهائل يعني أنك تحتاج إلى 6 مناطق زمنية مختلفة لتعبر البلاد. فعندما يتناول سكان الشرق وجبة الغداء، يكون سكان الغرب قد بدأوا للتو في احتساء قهوة صباحهم.

مفاجآت في جعبة الشمال

أخيرًا، كندا بارعة في كسر التوقعات:

  1. هل تظنها باردة دائمًا؟ نقطتها الجنوبية (الجزيرة الوسطى) تقع على نفس خط العرض الذي تمر به مدينة روما الإيطالية!

  2. هل هي طبيعة وغابات فقط؟ إنها أيضًا عملاق في مجال الطاقة، حيث تمتلك ثالث أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، مخبأ في رمال ألبرتا النفطية.

كندا، في جوهرها، ليست مجرد بلد تزوره، بل عالم كامل تستكشفه؛ عالم من الأرقام القياسية، والتاريخ الجيولوجي السحيق، والمفاجآت التي لا تنتهي.

"اقتله يا دوغ!": قصة النجاة المذهلة للرجل الذي هزم قاتلاً متسلسلاً وهو على وشك الموت

في حوالي منتصف ليل 3 سبتمبر 1986، كان دوغ ويلز وزوجته كريستين يقودان سيارتهما عائدين إلى منزلهما في غرب مونتانا، عندما لاحظا عربة "كامبر" (منزل متنقل) متوقفة أمام منزلهما.

لم يتعرف أي منهما على العربة. أوقف دوغ سيارته، ترجل، واقترب ليلقي نظرة خاطفة بالداخل. كان هناك رجل نائم في المقعد الأمامي. قرر دوغ ألا يوقظه، وعاد لزوجته. افترضا أنه مجرد شخص متعب توقف بشكل عشوائي، وأنه سيغادر في الصباح.

دخلا منزلهما وبدآ الاستعداد للنوم. بعد فترة، جمع دوغ القمامة ليخرجها إلى الحاوية بالخارج. وعندما فتح الباب وخطا إلى حديقته الأمامية، وجد نفس الرجل الذي كان نائمًا في العربة واقفًا هناك.

بحذر، نزل دوغ على الدرج وصرخ في وجه الرجل: "ماذا تفعل هنا؟" رفع الرجل يديه فورًا وقال إنه لا يقصد أي أذى. قال إن اسمه واين نانس، وأنه في الواقع يعمل مع زوجة دوغ، كريستين، في متجر الأثاث بالبلدة.

بدأ واين يروي قصة غريبة: ادعى أنه كان يقود سيارته في شارعهم في وقت سابق من ذلك اليوم، ولمح شخصًا مريبًا يقف خارج إحدى نوافذ منزلهم وينظر إلى الداخل. ولأنه عرف أنه منزل كريستين ولم يرَ سيارتها، قرر التوقف والمراقبة لحماية المنزل. لكن بحلول الوقت الذي عادا فيه، كان قد غلبه النعاس.

تفاجأ دوغ تمامًا بهذا الموقف. سأل واين: "هل رأيت ذلك الرجل المتلصص مرة أخرى؟" قال واين لا، لكنه اقترح أن يُحضر دوغ بعض الكشافات ليتجولا معًا حول العقار ويتأكدا من خلوه.

شكره دوغ على العرض وقال: "حسنًا، لم لا تدخل المنزل بينما أبحث عن الكشافات؟"

قاد دوغ الطريق إلى الداخل. بمجرد دخول واين وإغلاق الباب خلفه، سحب المهاجم أنبوبًا معدنيًا كان يخفيه، وضرب دوغ بقوة على مؤخرة رأسه. استدار دوغ، فضربه واين مرة أخرى في وجهه. وسرعان ما كان الاثنان يتصارعان على الأرض.

سمعت كريستين، التي كانت في الطابق العلوي، الجلبة فهرعت إلى أسفل الدرج. رأت زوجها ينزف بغزارة من رأسه، منكمشًا على الأرض، بينما واين - زميلها في العمل - يقف فوقه يلكمه ويركله.

قبل أن تتمكن كريستين من فعل أي شيء، لاحظها واين. سحب مسدسًا وصوبه نحوها، وأمرها بالنزول وربط ذراعي زوجها وساقيه.

كريستين، التي كانت في حالة صدمة وتأمل أن تكون مجرد عملية سطو، نفذت ما طُلب منها. ألقت إليها واين بعض الحبال، فقيدت زوجها. بعد ذلك، قادها واين إلى الطابق العلوي، إلى غرفة النوم، وقام بتقييدها هي أيضًا.

عاد واين إلى الطابق الرئيسي حيث كان دوغ ملقى. أمسك دوغ من ساقيه وسحبه إلى أسفل الدرج باتجاه القبو. ربطه إلى عمود، وضربه بوحشية بالأنبوب المعدني. ثم، سحب واين سكينًا بشفرة طولها 8 بوصات، وغرسه بالكامل في صدر دوغ. سحبه للخارج، وانهار جسد دوغ.

صعد واين ليتفقد كريستين. وجد أنها تمكنت من فك قيودها جزئيًا وكانت تحاول الوصول إلى هاتف المنزل. قفز عليها وتمكن من إعادة تقييدها. بعد أن اطمأن، عاد إلى القبو ليتأكد من موت دوغ.

رأى دوغ في نفس الوضع المنهار الذي تركه عليه، فافترض أنه مات بالتأكيد. عاد واين إلى الطابق العلوي للاعتداء على كريستين.

لكن واين كان مخطئًا. دوغ لم يكن ميتًا.

بعد رحيل واين، ورغم إصاباته المروعة في الرأس والصدر، تمكن دوغ من التملص من قيوده. زحف إلى طاولة عمل قريبة. كان دوغ صانع أسلحة، وكانت هناك بندقية على الطاولة. أمسك بالبندقية، ووجد طلقة واحدة، فلقّمها.

سار بخطى متثاقلة إلى قاعدة الدرج، رفع بندقيته، وصعد إلى الطابق الرئيسي. لم يجد واين. سمع صرخات زوجته في الطابق العلوي. بدأ في صعود الدرج الثاني، بندقيته مرفوعة وجاهزة.

في أعلى الدرج، كان هناك رواق يتجه يمينًا ويسارًا. كان دوغ يسمع، من جهة اليسار، صراخ زوجته في غرفة النوم، وسمع أيضًا صوت خطوات ثقيلة تجري في الرواق نحوه.

ثبّت دوغ نفسه على الدرج، وصوب بندقيته بارتفاع الصدر، وانتظر ظهور المهاجم. بمجرد أن اندفع واين من زاوية الرواق، والسكين في يده، أطلق دوغ طلقته الوحيدة.

أصابت الرصاصة واين مباشرة في معدته. سقط واين للخلف، مصدومًا تمامًا مما حدث. بينما كان يترنح، قلب دوغ بندقيته، ممسكًا بها كمضرب بيسبول، وبدأ يتقدم في الرواق، محطمًا واين بالبندقية الفارغة بينما كان الأخير يحاول الهرب.

تمكن واين من الاندفاع إلى غرفة النوم حيث كريستين، أمسك بمسدسه، استدار، وأطلق ثلاث رصاصات نحو الباب حيث يقف دوغ الآن. أصابت رصاصة ساق دوغ، لكن دوغ لم يتأثر.

واصل دوغ التقدم وبدأ في تحطيم رأس واين بعقب البندقية. ضربه مرات عديدة حتى انفجر عقب البندقية الخشبي وانحنى معدنها. أسقط واين المسدس، فالتقطه دوغ، وأفرغ الرصاصات المتبقية في رأس واين.

وصلت الشرطة والمسعفون بعد فترة وجيزة. نُقل دوغ وكريستين وواين إلى المستشفى. تعافى دوغ وكريستين تمامًا. أما واين نانس، فمات في اليوم التالي متأثرًا بجراحه.

بعد الحادث، حققت الشرطة في خلفية واين نانس. اكتشفوا ما لم يكن بالحسبان: كان واين نانس قاتلًا متسلسلاً، مرتبطًا بما لا يقل عن ست جرائم قتل باردة حدثت بين عامي 1974 و 1986.

ولأن واين لم يعترف أبدًا بجرائمه قبل وفاته، فإن العدد الحقيقي لضحاياه لا يزال مجهولاً حتى اليوم.

حلم الشيطان: الساحر الإندونيسي الذي قتل 42 امرأة ليشرب من لعابهن

 في 27 أبريل 1997، كان مزارع إندونيسي يرعى ماشيته عبر حقل كثيف من قصب السكر بالقرب من قريته، عندما تعثر بشيء غريب. بعد أن استعاد توازنه، نظر لأسفل ليجد كومة تراب غريبة تبدو في غير مكانها تمامًا.

أثار الفضول فضوله، لكنه لم يكن على أرضه، فقرر العودة إلى القرية وإبلاغ زعيمها بالأمر. توجّه زعيم القرية وبعض الرجال إلى الحقل، وعندما عثروا على الكومة، قاموا بأول شيء منطقي: غرسوا عصا فيها.

انغرست العصا بسهولة في التربة اللينة. ولكن عندما سحبوها، انبعثت رائحة كريهة ومروعة ملأت الهواء. انتابهم القلق مما قد يجدونه، فقرروا ترك الكومة والاتصال بالسلطات.

أمرتهم السلطات بالعودة وحفر الكومة لمعرفة ما تحتها. عاد زعيم القرية ومعه المزيد من الرجال وبدأوا بالحفر. سرعان ما اصطدمت مجارفهم بشيء لين داخل الكومة. وبعد إزالة المزيد من التراب بحذر، وجدوا أنفسهم يحدقون مباشرة في وجه امرأة.

لقد دُفنت حتى عنقها، ثم أُهيل التراب على رأسها.

وصلت السلطات هذه المرة، وتمكنت من التعرف على الجثة. كانت تعود لشابة محلية تبلغ من العمر 21 عامًا تدعى "ديوي". بعد سؤال أهل القرية، تبين أن آخر مرة شوهدت فيها "ديوي" كانت قبل ثلاثة أيام، عندما غادرت منزلها لقضاء غرض ما، ثم اختفت.

بعد ساعات قليلة من اكتشاف الجثة، تقدم سائق "ريكاشة" يبلغ من العمر 15 عامًا إلى الشرطة بمعلومات حاسمة. قال إنه قبل ثلاثة أيام - وهو نفس يوم اختفاء ديوي - طلبت منه توصيلة. عندما سألها عن وجهتها، رفضت إخباره بمكان محدد، وطلبت منه فقط القيادة في اتجاه معين، وقالت إنها ستوجهه كلما اقتربوا.

أثار الأمر فضول السائق، وبعد أن بدأ القيادة، سألها مجددًا: "هل يمكنك إخباري إلى أين نذهب؟ هذا غريب جدًا". أخيرًا، رضخت ديوي وأخبرته أنها ذاهبة لرؤية "الشامان" (الساحر أو المعالج الروحي).

استغرب السائق أن فتاة تذهب لرؤية الساحر في منتصف الليل وبكل هذا التكتم، لكنه أوصلها ولم يفكر في الأمر كثيرًا، حتى سمع بخبر مقتلها.

توجهت الشرطة مباشرة إلى الشامان، وهو رجل يبلغ من العمر 45 عامًا يُدعى أحمد سوراجي. سألوه عما إذا كان قد التقى بـ "ديوي" ليلة اختفائها. في البداية، أنكر سوراجي رؤيتها أو معرفة أي شيء عن مصيرها. ولكن بعد تفتيش منزله والعثور على ممتلكات "ديوي" الشخصية بداخله، انهار سوراجي وقال: "حسنًا، لقد كنت أكذب. لدي اعتراف".

ببرود تام، أخبر سوراجي الشرطة أنه لم يقتل "ديوي" فحسب، بل قتل العشرات من النساء الأخريات بنفس الطريقة ودفنهن في حقل قصب السكر.

عادت الشرطة إلى الحقل وبدأت في البحث. وجدوا تلالًا صغيرة من التراب منتشرة في كل مكان. وتحت كل كومة، كانت هناك امرأة مدفونة حتى عنقها. بعد انتهاء أعمال الحفر، عثرت الشرطة على جثث 42 امرأة مختلفة، لكنهم يعتقدون أن العدد قد يكون أكبر.

خلال محاكمته، شرح سوراجي بالتفصيل سبب أفعاله. قال إنه في عام 1986، أي قبل 11 عامًا، رأى حلمًا حيًا جاءه فيه والده المتوفى وأمره بـ "شرب لعاب 70 امرأة". إذا فعل ذلك، سيصبح خالدًا.

عندما استيقظ سوراجي، لم يعتبره مجرد حلم غريب، بل آمن أنه كان تواصلًا حقيقيًا مع روح والده. قرر أن ينفذ الأمر. لكن والده لم يشرح له كيف يحصل على اللعاب. بعد تفكير، قرر سوراجي أن الطريقة الأكثر فعالية هي قتل النساء وأخذ لعابهن بالقوة.

للعثور على ضحاياه، بدأ سوراجي ينشر إشاعات في قريته بأنه يمتلك قوى خارقة، وأنه قادر على منح النساء "الجمال الأبدي والثروة". صدق الكثيرون القصة. ومع انتشار السمعة إلى القرى المجاورة، أتت إليه نساء كثيرات طالبات خدماته.

كان يطلب منهن العودة ليلاً في الظلام الدامس، وألا يخبرن أحدًا بوجهتهن. عند وصولهن، يدفعن له رسومًا (تصل إلى 300 دولار)، ثم يخبرهن أنه بحاجة لإجراء طقوس خاصة.

كان يأخذهن عبر مقبرة إلى حقل قصب السكر. هناك، كان يسلم الضحية مجرفة ويطلب منها حفر حفرة، مؤكدًا لها أن هذا "جزء من الطقوس". كانت المرأة تحفر حتى يصل عمق الحفرة إلى خصرها، فيطلب منها النزول في الحفرة ووضع يديها بجانبها.

إذا شعرت بالتوتر، كان يطمئنها بأن الكثيرات فعلن هذا من قبل وأن الأمر آمن تمامًا. بمجرد نزولها، كان سوراجي يمسك المجرفة ويهيل التراب عليها حتى تُشَل حركتها تمامًا.

عند هذه النقطة، كان يُخرج كابلاً، يلفه حول عنقها، ويخنقها حتى الموت. بمجرد أن تموت، كان يستخرج لعابها. بعد ذلك، كان يحفر الحفرة أعمق قليلاً، ويعيد الجثة إليها، تاركًا رأسها فقط فوق سطح الأرض، ويتأكد من توجيه وجهها نحو منزله. كان يعتقد أن "نظر" هؤلاء النساء إليه باستمرار يمنحه قوة أكبر.

أما بالنسبة لـ "ديوي"، فعندما جاءت ودفعت الرسوم، شعرت بالخوف وترددت في الذهاب لإجراء الطقوس. فطلب منها سوراجي الانتظار، وذهب إلى زوجته وأخبرها: "أنا ذاهب لقتل هذه الفتاة، وأحتاج مساعدتك لتهدئتها".

زوجته، التي لم تكن تعلم أن زوجها قاتل متسلسل، وافقت على الفور. عادت وطمأنت "ديوي" بأن كل شيء على ما يرام وأنها ستحضر الطقوس معهما. هدأت "ديوي" ووافقت على الذهاب. غادر الثلاثة إلى الحقل، وعاد اثنان فقط.

في عام 2008، أُعدم أحمد سوراجي رميًا بالرصاص. وحُكم على زوجته بالسجن مدى الحياة.

فتاة المعجزة: الناجية التي "انتزعتها" سفينة أخرى من فراشها وسط المحيط

 في عام 1956، كانت سفينة الركاب الفاخرة "إس إس أندريا دوريا" تُعتبر فخر إيطاليا؛ الأكبر، الأسرع، والأكثر أمانًا. لكن التاريخ لم يذكرها لهذه الأسباب.

في 25 يوليو من ذلك العام، بينما كانت السفينة تبحر باتجاه الساحل الشرقي للولايات المتحدة، دخلت في ستار كثيف من الضباب. اتبع القبطان الإجراءات المتبعة: أبطأ سرعة السفينة وأطلق صافرة الضباب.

بعد وقت قصير، دخلت سفينة أخرى، "إس إس ستوكهولم" السويدية، إلى نفس منطقة الضباب. ورغم أن كلتا السفينتين كانتا تستخدمان الرادار، إلا أن طاقم كل منهما أساء تفسير ما يراه على الشاشة. لم يحدث أي اتصال بينهما بينما كانتا تندفعان نحو بعضهما البعض.

وحين حدث الاتصال البصري أخيرًا، كان الأوان قد فات.

في تمام الساعة 11:10 ليلاً، اصطدمت مقدمة سفينة "ستوكهولم" مباشرة بجانب "أندريا دوريا"، مخترقةً هيكلها بعمق يزيد عن 40 قدمًا. كان الاصطدام عنيفًا وفوريًا، وأودى بحياة 46 شخصًا على متن "أندريا دوريا" وخمسة أشخاص على متن "ستوكهولم".

عندما انتشر الخبر، تصدر جميع وكالات الأنباء العالمية، بما في ذلك شبكة ABC News في الولايات المتحدة. المراسل الذي تم اختياره لتغطية هذه الكارثة كان رجلاً يُدعى إدوارد مورغان.

ما لم يكن يعرفه زملاؤه في العمل هو أن ابنة إدوارد البالغة من العمر 14 عامًا، ليندا مورغان، كانت على متن "أندريا دوريا". وقبل لحظات فقط من ظهوره على الهواء مباشرة، تلقى إدوارد خبرًا مفجعًا: ابنته في عداد المفقودين، ويُفترض أنها ماتت.

لم يكن بيد إدوارد ما يفعله سوى انتظار المزيد من المعلومات. ورغم هذا العبء الذي لا يُحتمل، صعد إدوارد أمام الكاميرا، وقدم تقريره الإخباري عن الكارثة. تحدث بمهنية تامة، رابط الجأش، ولم يفقد تماسكه أبدًا، ولم يأتِ على ذكر ابنته مطلقًا.

ولكن بعد أن أنهى بثه، بدأت قصة أخرى، قصة لا تُصدق، تتكشف وسط الحطام.

على ما يبدو، كانت هناك فتاة نائمة في إحدى الكبائن على "أندريا دوريا" التي تلقت الضربة المباشرة من "ستوكهولم". استيقظت الفتاة بعد الاصطدام لتجد نفسها في مكان غريب ومظلم، وبدأت تصرخ بحثًا عن والدتها.

في هذه الأثناء، على متن سفينة "ستوكهولم" المتضررة، سمع أحد أفراد الطاقم صرخات الفتاة. ركض الرجل نحو مقدمة السفينة المدمرة، مصدر الصوت، وعندما وصل، لم يصدق عينيه.

هناك، جاثمًا على مقدمة "ستوكهولم" المحطمة، كان يوجد سرير. وعلى هذا السرير، كانت تجلس فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا، شبه سالمة. كانت تلك الفتاة هي ليندا مورغان.

ما حدث كان أشبه بالخيال: عندما اخترقت "ستوكهولم" جانب "أندريا دوريا"، "جرفت" مقدمة السفينة السويدية سرير ليندا بالكامل، وسحبتها معها إلى داخل هيكل "ستوكهولم". وعندما ارتدت "ستوكهولم" للخلف، سحبت السرير وليندا معها، لتستقر بأعجوبة على سطح السفينة المهاجمة.

عندما اكتشف إدوارد مورغان أن ابنته هي "فتاة المعجزة" التي يتحدث عنها الجميع، غمرته المشاعر. عاد إلى الهواء مرة أخرى، ولكن هذه المرة، تحدث عن ابنته وقصة نجاتها المذهلة، وعن مدى صعوبة نقل الأخبار عندما تكون الكارثة شخصية.

تعافت ليندا جسديًا بشكل كامل، ولم تُصب سوى بكسر في ذراعها. لكنها عانت لسنوات طويلة من "ذنب الناجي"، فقد قُتل في الحادث زوج والدتها وأختها غير الشقيقة.

الجمعة، 10 أكتوبر 2025

المستشفى الإيطالي في عمّان

 

المستشفى الإيطالي في عمّان ليس مجرد مبنى طبي قديم، بل شاهد حيّ على بدايات الطب الحديث في الأردن. تأسس عام 1926 على يد الطبيب الإيطالي الدكتور تيزيو، الذي جاء إلى عمّان مع فريق من الراهبات الممرضات لخدمة الأهالي في فترة كانت الرعاية الصحية فيها محدودة جدًا. خلال العقود الأولى من تأسيسه، لعب المستشفى دورًا محوريًا في تقديم العلاج المجاني والمساعدة الطبية للفقراء، ما جعله منارة إنسانية في قلب العاصمة الفتية.

عند دخول المستشفى، يلفت النظر قسم الطوارئ الصاخب بالحياة، قبل أن تصعد إلى الطابق الأول حيث تصطف الصور التاريخية التي تروي فصولًا من ذاكرة الوطن: صورة الأمير عبد الله المؤسس قبل إعلان المملكة، وصور أخرى للملك الحسين بن طلال في زياراته للمكان، كرمز لعلاقة العائلة الهاشمية بهذا الصرح الإنساني العريق.

ومن الطرائف التاريخية المرتبطة بالمستشفى، أن ابنة الطبيب الإيطالي، فلافيا تيزيو، عاشت في عمّان وأحبتها إلى حد أنها قررت لاحقًا افتتاح مطعمها الشهير "روميرو" في جبل عمّان، والذي أصبح أحد رموز الضيافة الإيطالية في الأردن، قبل أن ينتقل لاحقًا إلى ملكية أردنية ويستمر كأحد أقدم المطاعم الراقية في العاصمة.

بهذه الحكايات، يبقى المستشفى الإيطالي أكثر من مؤسسة طبية؛ إنه صفحة من تاريخ عمّان الإنساني، تمزج بين البساطة والرقي، بين البعثات الأوروبية الأولى وروح المكان الأردني التي احتضنتها واحتفظت بها عبر الزمن.


كيف أضاءت لوس أنجلوس المستقبل: قصة 160 ألف مصباح LED غيّرت وجه المدينة

 

كيف أضاءت لوس أنجلوس المستقبل: قصة 160 ألف مصباح LED غيّرت وجه المدينة

في إحدى أكثر الخطوات جرأة نحو الاستدامة الحضرية، قررت مدينة لوس أنجلوس الأمريكية أن تُطفئ وهج مصابيحها القديمة وتستبدلها بضوءٍ جديد أنقى وأذكى.
ففي مشروع بدأ عام 2009 واستمر لسنوات، قامت المدينة باستبدال أكثر من 160 ألف مصباح شارع من نوع الصوديوم البرتقالي بمصابيح LED بيضاء متجانسة. النتيجة؟ انخفاض في استهلاك الطاقة بنسبة 64%، أي ما يعادل 114 جيجاواط/ساعة سنويًا—كمية تكفي لتزويد حوالي 20 ألف منزل بالطاقة كل عام.

لكن هذه القصة تتجاوز الأرقام.
كانت شوارع لوس أنجلوس، لعقود طويلة، تغمرها تلك الإضاءة البرتقالية الخافتة التي يعرفها سكان المدينة جيدًا، إضاءة تُلقي ظلالًا غريبة وتجعل الصور الليلية تبدو كأنها من عالم آخر. وعندما قررت المدينة التحول إلى مصابيح LED، لم يكن الهدف الجمالي وحده هو ما حفّز القرار، بل رغبة حقيقية في تقليل الانبعاثات وتوفير المال وتحسين الأمان.

التحول إلى الإضاءة الذكية

مصابيح LED لا تستهلك فقط طاقة أقل، بل تدوم أطول، وتُصدر حرارة أقل، وتوفر قدرة أكبر على التحكم في شدة الإضاءة واتجاهها.
هذا يعني صيانة أقل، انبعاثات أقل، وتلوث ضوئي أقل. والأهم من ذلك، أن المدينة أصبحت قادرة على التحكم المركزي بالإضاءة عبر أنظمة ذكية، مما يتيح خفض الإضاءة في أوقات معينة وتوزيعها بكفاءة حسب الحاجة.

الأثر الاقتصادي والبيئي

بحسب بيانات البلدية، أدى هذا المشروع إلى:

  • توفير ملايين الدولارات سنويًا في فواتير الكهرباء والصيانة.

  • تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 40 ألف طن سنويًا، أي ما يعادل إزالة 7,000 سيارة من الطرق.

  • تحسين مستوى الأمان في الأحياء، إذ أصبحت الإضاءة أكثر وضوحًا وتجانسًا، مما قلّل الحوادث والجريمة في بعض المناطق.

رمز لمدن المستقبل

تحولت لوس أنجلوس، بفضل هذا المشروع، إلى رمز عالمي لمدن المستقبل التي تفكر في استدامتها لا كمشروع رفاهي، بل كضرورة اقتصادية وبيئية. ومنذها، تبنت أكثر من 200 مدينة حول العالم الفكرة نفسها، من برشلونة إلى دبي، لتثبت أن الابتكار أحيانًا يبدأ من أبسط الأشياء… من مصباح شارع.

الضوء الجديد

ربما لم يلاحظ المارة التغيير في الأيام الأولى، لكن مع مرور الوقت أصبحت شوارع لوس أنجلوس أكثر إشراقًا وهدوءًا في آن واحد. الضوء الأبيض لم يغيّر فقط ملامح المدينة ليلاً، بل غيّر فلسفة إدارتها للطاقة، من عقلية الاستهلاك إلى عقلية الكفاءة.

لوس أنجلوس لم تكتفِ بإضاءة شوارعها… لقد أضاءت الطريق أمام مدن العالم.

🦧 كين ألين: القرد الذي حيّر حراس حديقة سان دييغو

 



🦧 كين ألين: القرد الذي حيّر حراس حديقة سان دييغو

في منتصف الثمانينات، لم يكن أحد يتوقع أن يصبح قرد أورانغوتان في حديقة حيوانات سان دييغو بطلًا شعبيًا في أمريكا.
لكن "كين ألين" لم يكن قردًا عاديًا. كان هادئ الملامح، ذكي النظرات، ويمتلك حس فضول لا يشبه أي حيوان في القفص المجاور.
الناس كانوا يرونه مجرد قرد لطيف، لكنه كان يرى نفسه سجينًا… وكان عنده خطة.


البداية: هروب من نوع آخر

في 13 يونيو 1985، حدث ما لم يتخيله أحد.
تسلّق كين ألين جدار حظيرته البالغ ارتفاعه أكثر من 3 أمتار، وخرج من منطقة الأورانغوتان بهدوء مذهل.
تجوّل بين الزوّار وكأنه أحدهم، يراقب الحيوانات الأخرى بلا خوف، قبل أن يلحظه أحد العاملين ويعيده إلى مكانه.

لكن بالنسبة لكين، لم يكن ذلك مجرد هروب… كان تجربة ناجحة يجب تكرارها.


سلسلة الهروب الكبرى

خلال ذلك الصيف نفسه، هرب كين ثلاث مرات.
في كل مرة كان الحراس يعيدون تصميم الحظيرة، وفي كل مرة كان يجد ثغرة جديدة.
أحيانًا كان يتسلق زاوية لم ينتبهوا إليها، وأحيانًا يستخدم الحجارة أو الأسلاك بطريقة ذكية تفتح له طريقًا للحرية.

الحديقة اضطرت إلى تعيين فريق هندسي خاص لتحليل كيف كان القرد يهرب، حتى إنهم استأجروا متسلقي جبال لاختبار جدران الحظيرة.
لكن كين ألين كان دائمًا أسبق بخطوة.


هوديني الغابة

الصحافة أحبّت القصة.
أطلقت عليه لقب "القرد هاري هوديني"، نسبةً إلى الساحر الأمريكي الشهير الذي اشتهر بخداع القيود والسلاسل.
أما الجمهور، فوقع في غرامه.
أصبح له جمهور حقيقي يزور الحديقة خصيصًا لرؤيته، بل وظهر بعض الزوار يرتدون قمصانًا مكتوب عليها Free Ken Allen! — “أطلقوا سراح كين ألين!”.

الطريف أن كين لم يكن عدوانيًا قط.
لم يؤذِ أحدًا، ولم يهاجم الحراس أو الزوار.
كل ما كان يفعله هو التجول في الحديقة بهدوء، ثم يجلس في مكان ما وكأنه يقول لهم: ها قد عدتُ إلى الحرية ولو للحظات.


ذكاء يفوق التوقع

العلماء في الحديقة لاحظوا أن كين لم يكن مجرد قرد مشاغب، بل كان يملك قدرة إدراكية عالية على الملاحظة والتخطيط.
كان يراقب الحراس بدقة، يتعلّم من تحركاتهم، ويستنتج نقاط الضعف في القفص.
وفي بعض الحالات، بدا وكأنه يفهم أن هناك من يراقبه، فيُغيّر سلوكه عمدًا — كما لو كان يخفي خطته!


النهاية الهادئة

بعد شهرة واسعة وحياة مليئة بالدهاء والمغامرات، عاش كين ألين ما تبقّى من حياته في راحة داخل الحديقة، محاطًا بالرعاية والاهتمام.
في 1 ديسمبر 2000، توفي بسبب سرطان الخلايا البائية (نوع من اللوكيميا) عن عمر 29 عامًا.

لكن إرثه لم يمت.
حتى اليوم، ما زال اسمه يُذكر في كتب علم السلوك الحيواني كمثال مدهش على الذكاء العاطفي والتخطيط لدى القردة العليا.

السبت، 4 أكتوبر 2025

الرجل الذي "نُسي" في الزنزانة: قصة ستيفن سليفين

 

في عام 2005، كان ستيفن سليفين يعيش حياة عادية في ولاية نيو مكسيكو الأميركية، قبل أن تنقلب فجأة رأسًا على عقب بسبب تهمة بسيطة: الاشتباه في قيادته تحت تأثير الكحول.
ما بدأ كمخالفة مرورية، انتهى بكابوس إنساني من نوعٍ نادر — فقد تم احتجازه في الحبس الانفرادي لمدة 22 شهرًا، دون أن يُحاكَم أو يُدان، فقط… تُرِك هناك.

خلال تلك المدة، تدهورت صحته النفسية والجسدية بشدة. كان يعيش في زنزانة صغيرة، بلا تواصل بشري تقريبًا، وبلا رعاية طبية. تقرحات الفراش التهمت جسده، ووزنه تراجع إلى النصف تقريبًا. والأسوأ: حين أصيب بعدوى في فمه ولم يُسمح له برؤية طبيب، اضطر إلى خلع أحد أسنانه بنفسه مستخدمًا أدوات بدائية.

عندما خرج سليفين عام 2007، لم يخرج كما دخل. خرج منهكًا، محطمًا، متسائلًا: كيف يمكن أن "تنسى" دولة مواطنًا خلف القضبان؟
رفع دعوى قضائية ضد مقاطعة دونيا آنا، وفي عام 2013، توصّل إلى تسوية تاريخية بلغت 15.5 مليون دولار — واحدة من أكبر تعويضات الإهمال في تاريخ السجون الأميركية.

اليوم، يُدرَّس ملف ستيفن سليفين في كليات القانون وعلم النفس كمثال صادم على ما يمكن أن تفعله العزلة الطويلة والإهمال المؤسسي بالإنسان.
قضيته أعادت فتح النقاش حول نظام الحبس الانفرادي في الولايات المتحدة، وكيف يمكن لـ"إجراء احترازي" أن يتحول إلى تعذيب بطيء باسم القانون.

كيف وُلدت لعبة “سوليتير” من ملل متدرّب في مايكروسوفت 🎴

 

في صيف عام 1988، كان شاب اسمه وِس تشيري (Wes Cherry) يعمل متدربًا في مايكروسوفت. لم يكن يعلم أن بضعة أسطر كتبها في وقت فراغه ستتحول إلى واحدة من أشهر الألعاب في التاريخ: Windows Solitaire.

بدأت القصة ببساطة شديدة. كان ويس يلعب نسخة من لعبة الورق “سوليتير” على أجهزة ماكنتوش، فأراد أن يبرمج نسخته الخاصة على نظام Windows 2.1 فقط للتسلية والتعلّم. وضع اللعبة على خادم داخلي في مايكروسوفت، حيث كان الموظفون يشاركون تجاربهم البرمجية الصغيرة، ولم يتخيل أن يراها أحد خارج الشركة.

لكنّ القدر كان يخبّئ مفاجأة. أحد مديري البرامج اطّلع على اللعبة، وأُعجب بها لدرجة أنه قرر أن تُضم رسميًا إلى نظام التشغيل Windows 3.0 عام 1990، لتُصبح أول لعبة مدمجة في ويندوز. الهدف لم يكن الترفيه فحسب، بل تعليم المستخدمين الجدد كيفية استخدام الفأرة—السحب والإفلات تحديدًا، وهي فكرة جديدة آنذاك.

منذ تلك اللحظة، لم يتوقف العالم عن اللعب. أصبحت Solitaire اللعبة الأكثر تشغيلًا في العالم، وتحوّلت إلى رمز من رموز الحاسوب الشخصي. ولم يتقاضَ ويس تشيري أي عوائد مادية عنها، فقد كانت مجرد مشروع جانبي لطيف. المكافأة الوحيدة التي تلقاها كانت جهاز IBM XT استخدمه لإصلاح بعض الأخطاء البرمجية.

لاحقًا، طوّر تشيري لعبة أخرى هي Pipe Dream ضمن حزمة Microsoft Entertainment Pack، قبل أن يغادر عالم البرمجة ليعيش حياة مختلفة تمامًا: يملك اليوم مزرعة تفاح صغيرة في جزيرة قرب سياتل، ويدير مصنعًا محليًا لعصير التفاح (cidery) 🍏.

وفي عام 2015، احتفلت مايكروسوفت بالذكرى الخامسة والعشرين للعبة بتنظيم بطولة Solitaire في مقرها الرئيسي، تكريمًا للعبة التي بدأت كهواية متدرب وانتهت كجزء من ذاكرة أجيال.

الجمعة، 3 أكتوبر 2025

قصة السروال الذي دمّر حياة قاضٍ



قصة السروال الذي دمّر حياة قاضٍ


أحيانًا تبدأ الحكاية من تفصيل صغير جدًا، لكنّها تكبر حتى تبتلع حياة كاملة. هذه القصة الحقيقية جرت في واشنطن عام 2005، وعُرفت إعلاميًا باسم "قضية السروال المفقود".


البداية: سروال في محل تنظيف


القاضي الإداري روي بيرسون أخذ سرواله المفضل إلى محل تنظيف تديره عائلة مهاجرة من كوريا. لكن عندما عاد لاستلامه، لم يجد السروال. حدث عادي قد يمرّ به أي زبون، أليس كذلك؟


لكن بيرسون قرر أن الأمر ليس بسيطًا. فقد رأى على واجهة المحل لافتة مكتوبًا عليها: "Satisfaction Guaranteed" – الرضا مضمون. هو اعتبرها التزامًا قانونيًا حرفيًا، لا مجرد شعار تجاري. ومن هنا بدأت القصة.


الدعوى: 54 مليون دولار


بيرسون رفع دعوى قضائية ضد أصحاب المحل مطالبًا بتعويضات خيالية وصلت إلى 54 مليون دولار، زاعمًا أنّه تعرض لأذى نفسي وخسائر مالية لأنه لم يجد سرواله! القضية سرعان ما تحولت إلى مادة ساخرة في الإعلام الأميركي والعالمي، بوصفها واحدة من أكثر الدعاوى القضائية غرابة في التاريخ.


النهاية: خسارة مضاعفة


استمرت القضية أربع سنوات، رفضت خلالها المحاكم كل طلباته، بل إن المحكمة عرضت عليه تسوية بقيمة 12 ألف دولار كتعويض رمزي، لكنه رفض بإصرار. وفي النهاية، خسر بيرسون القضية، وخسر معها أكثر:


فقد منصبه كقاضٍ إداري بعد انتهاء ولايته.


تحطمت سمعته المهنية.


صار مثالًا عالميًا على القضايا العبثية.




أسعار السكر تهبط لأدنى مستوى منذ 2021



أسعار السكر تهبط لأدنى مستوى منذ 2021: وفرة الإنتاج تضع السوق تحت الضغط


شهدت أسواق السكر العالمية في سبتمبر 2025 انخفاضًا حادًا دفع الأسعار إلى أدنى مستوى لها منذ مارس 2021، وفقًا لآخر تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). فقد تراجع مؤشر أسعار السكر بنسبة 4.1% إلى 99.4 نقطة، ما يعكس حالة من التراجع المستمر نتيجة توقعات وفرة المعروض عالميًا.


البرازيل والهند وتايلاند في صدارة الإنتاج


العامل الأبرز وراء هذا التراجع يتمثل في الزيادة الكبيرة في الإنتاج لدى كبار المنتجين، وعلى رأسهم البرازيل والهند وتايلاند.


البرازيل، أكبر مُصدر للسكر في العالم، سجلت موسمًا قويًا بفضل الطقس الملائم واتساع المساحات المزروعة بقصب السكر.


الهند، التي عادةً ما تتأرجح بين تقييد وتحرير صادراتها، أظهرت إشارات لزيادة الكميات المخصصة للتصدير، ما عزز وفرة المعروض.


تايلاند كذلك استفادت من موسم أمطار جيد مكّنها من رفع معدلات الإنتاج والتصدير.



هذه التطورات أدت إلى حالة من التشبع النسبي في السوق العالمية، ما انعكس فورًا على أسعار العقود الآجلة.


حركة الأسعار في البورصات العالمية


في بورصة ICE الأمريكية، يتم تداول عقود السكر الخام (Sugar #11) حاليًا حول 16.4 – 16.6 سنتًا للرطل. ورغم تسجيل بعض الارتفاعات اليومية، إلا أن الاتجاه العام خلال الأشهر الماضية يؤكد مسارًا هبوطيًا مقارنة بالذروة التي شهدتها الأسعار في 2024.


ما الذي ينتظر السوق؟


التوقعات تشير إلى استمرار الضغوط الهبوطية على المدى القريب، طالما استمرت وفرة المعروض من المنتجين الرئيسيين. لكن هناك عوامل قد تعكس الاتجاه:


قرارات حكومية مفاجئة بتقييد الصادرات (خصوصًا من الهند).


تقلبات الطقس التي قد تؤثر على جودة المحاصيل.


اضطرابات لوجستية في الشحن والنقل.



خلاصة


هبوط أسعار السكر إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من أربع سنوات يمثل مؤشرًا واضحًا على ديناميكيات العرض والطلب في الأسواق الزراعية العالمية. وفرة الإنتاج في البرازيل والهند وتايلاند لعبت دورًا رئيسيًا في الضغط على الأسعار، بينما تبقى الأسواق مترقبة لأي متغيرات قد تعيد التوازن من جديد.


بالنسبة للمستثمرين والمتابعين لأسواق السلع، فإن هذه المرحلة تفتح نافذة مهمة للتفكير في استراتيجيات التحوط والتسعير، خصوصًا للشركات المعتمدة على واردات السكر كمكون أساسي في منتجاتها.



---