هل تساءلت يومًا كيف يبدو كوكبنا وهو في طور التكوين؟ لا تحتاج إلى آلة زمن، بل تذكرة إلى آيسلندا. هذه ليست مجرد جزيرة، إنها "مختبر جيولوجي" حي، حيث يمكنك رؤية القوى التي شكلت الأرض وهي تعمل أمامك مباشرة. إنها أرض النار والجليد، المكان الذي لا يزال يُكتب فيه الفصل الأول من قصة الخلق.
الأرض المُنقسمة على نفسها آيسلندا هي واحدة من الأماكن القليلة جدًا على وجه الأرض حيث يمكنك رؤية صدع "وسط المحيط الأطلسي" فوق سطح البحر. حرفيًا، الجزيرة تتمزق إلى نصفين. فالنصف الغربي يجلس على صفيحة أمريكا الشمالية، والنصف الشرقي على الصفيحة الأوراسية. وهما تتباعدان عن بعضهما بضعة سنتيمترات كل عام. في حديقة "ثينغفيلير" الوطنية، يمكنك الغوص أو السير بين قارتين في صدع "سيلفرا"، في مياه صافية لدرجة أن الرؤية تمتد لمئة متر.
عندما يغلي الجليد أكثر ما يميز آيسلندا هو هذا الصراع الأزلي بين النار والجليد. أكثر من 10% من مساحتها مغطى بأنهار جليدية عملاقة، وتحت هذا الغطاء الأبيض، ترقد بعض أنشط البراكين في العالم. عندما يثور بركان تحت نهر جليدي، فإنه لا يطلق الحمم فقط، بل يذيب مليارات الأطنان من الجليد، مسببًا فيضانات كارثية تُعرف باسم "Jökulhlaup" (يوكولوب) تجرف كل شيء في طريقها. هذه القوة الجوفية هي أيضًا ما يمنح آيسلندا "الينابيع الساخنة" والـ "جيزر" (النوافير الحارة) الشهيرة، حيث يعيش السكان على طاقة الأرض النظيفة.
شعب يتنفس البخار لقد حوّل الآيسلنديون هذا التهديد الجيولوجي إلى نعمة. فهم يعيشون حرفيًا على الطاقة الحرارية الجوفية. 90% من المنازل تُدفأ بمياه ساخنة تُضخ مباشرة من تحت الأرض. حتى شوارع العاصمة "ريكيافيك" مُدفأة في الشتاء لمنع تراكم الثلوج. لقد تكيفوا للعيش على أرض نشطة، مستغلين قوتها بدلاً من الخوف منها.
آيسلندا ليست مجرد وجهة سياحية، بل هي تذكير دائم بأن كوكبنا حي، يتنفس، ولا يزال يتشكل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق